Sunday, May 29, 2011

من وحي ثورات عربية جارية





"....
. أخذا بعين الاعتبار للمشترك بين الدول العربية يمكن القول إن الحركة التغييرية التي تمثلها الثورات هي حركة ضد الأنظمة السلطوية بأشكالها المختلفة.

لقد صادرت هذه الأنظمة جميعها حقوق المواطن الفرد، واحتكرت مصادر القوة بمزاوجة السياسة والاقتصاد، وبين النفوذ السياسي والربح المالي، واستسهلت بناء الولاء السياسي للنظام على أساس علاقات وشائجية، وأيسرها علاقات الولاء بقرابة الدم أو العشائرية أو الجهوية (التي قد تتقاطع مع المذهبية والطائفية). وكان الناتج غالبا هو نظام سلطوي مملوكي رث معصرن بواجهات ويافطات حديثة كاذبة.
....
أدت الهزات الاجتماعية -التي قادت إليها اللبرلة الاقتصادية المقترنة بالتسلطية السياسية- بدايةً إلى إصلاحات شكلية، ثم ما لبثت أن استغنت عن الشكلية ودفعت إلى تشديد الاستبداد
....
نشأت فئة من أبناء المسؤولين ورجال الأعمال الذين يرغبون بالظهور بمظهر الحضاريين على خلاف أهلهم العسكريين ورجال الأمن. ويغطي الاستهلاك الثقافي وأنماط الحياة الغربية التي يتبنونها على الجرائم التي ترتكب في أقبية التعذيب
....

. وفي الاقتصاد بالاستهلاك الثقافي. يشكل هؤلاء جمهور صفوة ذات امتيازات بالنسبة للفنانين والمثقفين، ويرتبط بهم قطاع من صناعة تسويق الثقافة في المدن.

ويرتبط جزء من المثقفين والفنانين بهم من خلال علاقات صالونية. ويتوهم المنخرطون في مثل هذه العلاقات أنها شهادات في التنور، وأن عقاقيرها تزيل رائحة الاستبداد والفساد. والحقيقة أنهم فقدوا حاسة الشم، فالرائحة تزكم أنوف كل من يعيش خارج هذه المجتمعات الفرعية والصالونات.

ولكن الارتباك الأكبر عند المثقفين ينجم عن الخوف من الجمهور لأنه لا يتحرك بموجب خطة معدة سلفا. هذا الجمهور لا يذكر المثقفين بالأساطير التي يحملونها في رؤوسهم عن الثورات، وتختلف صورته عن الصور التي تحملها اللوحات الفنية والشعر والأدب عن دول لم تكن جماهيرها أكثر حضارية، ولا أكثر تنظيما وأقل فوضى من الجماهير العربية.

ومن هنا ينتظر المثقفون عهودا وهم يتذمرون من النظام ومن كسل الجماهير، وحين تخرج الجماهير إلى الشارع يقفون عاجزين مرتبكين.

ويؤدلج بعضهم العجز فيهاجم "فوضى الشارع وتخلفه وسلفيته"، ويبدأ بالوعظ في الواقعية والإصلاح والخوف من الحرب الأهلية، أو يتحول إلى معلق بلا موقف مقارنا بين الثورات، أيها أرقى، وأيها أجمل، وأيها أكثر حضارية في نظره، وينسى أن اللحظة هي لحظة الموقف، وأن المثقف يخون دوره حين يبرر الأوضاع القائمة ويمتنع عن اتخاذ موقف في لحظة تاريخية لن تتكرر، ولن يفيد بعد الغياب عنها كل التنظير اللاحق.
لا يمكن توجيه الثورة من خارج الموقف المنحاز لها. يرتبك بعض المثقفين أكثر في حالة حمل نظام الاستبداد لأيديولوجية في مقاومة إسرائيل والصهيونية، ويرتبك المثقف أكثر حينما تنضم الولايات المتحدة والدول الأوروبية لإدانة النظام.
وغالبا ما لا يسأل المثقف المرتبك ذاته عن تأثير غيابه عن قيادة الثورة في تحصين الثوار من التأثير السياسي الناجم عن هذا الموقف الغربي المشبوه.

وينطوي هذا الموقف المرتبك على قناعة مفادها أن ما يحصن الموقف السيادي ضد الإملاءات الغربية هو نظام الاستبداد، أو إرادة الشعب المجازية التي تمثلها، وأن الأغلبية الفعلية المعبر عنها في انتخابات دورية لن تؤسس لموقف مقاوم للإملاءات السياسية الغربية والإسرائيلية، أو لموقف رافض للاحتلال، أو متمسك بقضايا الأمة.
....
ليس هدير الجماهير مخيفا في حالة العرب لأنها لا تتحرك نحو احتلال الحكم والحيز العام، ولا تريد أن تحكم عبر حزب شعبوي يدعي تمثيل إرادة الجماهير. بل ترنو إلى تأسيس الديمقراطية وحقوق المواطن
.....
إن أسخف استخدام لنظرية المؤامرة، هو الادعاء أن الشعب المتحرك لنيل حقوقه لسبب بديهي هو فقدان هذه الحقوق، هو جزء من مؤامرة دولية
....
إذا خرج شعب مطالبا بالإصلاح وقدم التضحيات، فلن توجد قوة في الدنيا يمكنها إقناعه أن يتنازل عن حقوقه، بحجة أن النظام يرفض الإصلاح والانتقال التدريجي نحو الديمقراطية، ولأن البديل لهذا النظام هو الفتنة الطائفية
....
في حالة الأنظمة التي لم تكن على وفاق مع الولايات المتحدة، نشأت عبر السنوات عناصر معارضة للأنظمة تلتقي مع أعداء الأنظمة، ومن ضمنهم الولايات المتحدة وإسرائيل
....
أثبتت التجربة العراقية أن بعض هذه العناصر الذي يبدو لبراليا أثناء وجوده في الغرب، يستسهل تبني مواقف طائفية وعشائرية لكي يصنع له قاعدة زبائنية سياسية في بلاده
....
الثورات العربية هي تدعو إلى الإصلاح. والأنظمة التي تطلق النار بوحشية على دعاة الإصلاح لا ترغب أن تمهلها الجماهير حتى تقوم به كما تدعي، بل هي ترفضه جملة وتفصيلا
...."

No comments: